سورة الفيل - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفيل)


        


{تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)}
في الصحاح: بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قالوا: حجارة من طين، طبخت بنار جهنم، مكتوب فيها أسماء القوم، لقوله تعالى: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً} [الذاريات: 34- 33].
وقال عبد الرحمن بنأبزى: مِنْ سِجِّيلٍ: من السماء، وهي الحجارة التي نزلت على قوم لوط. وقيل من الجحيم. وهي {سجين} ثم أبدلت اللام نونا، كما قالوا في أصيلان أصيلال. قال ابن مقبل:
ضربا تواصت به الابطال سجينا ***
وإنما هو سجيلا.
وقال الزجاج: مِنْ سِجِّيلٍ أي مما كتب عليهم أن يعذبوا به، مشتق من السجل. وقد مضى القول في سجيل في هود مستوفى. قال عكرمة: كانت ترميهم بحجارة معها، فإذا أصاب أحدهم حجر منها خرج به الجدري لم ير قبل ذلك اليوم. وكان الحجر كالحمصة وفوق العدسة.
وقال ابن عباس: كان الحجر إذا وقع على أحدهم نفط جلده، فكان ذلك أول الجدري. وقراءة العامة تَرْمِيهِمْ بالتاء، لتأنيث جماعة الطير. وقرأ الأعرج وطلحة: {يرميهم} بالياء، أي يرميهم الله، دليله قوله تعالى: {وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى} [الأنفال: 17] ويجوز أن يكون راجعا إلى الطير، لخلوها من علامات التأنيث، ولان تأنيثها غير حقيقي.


{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}
أي جعل الله أصحاب الفيل كورق الزرع إذا أكلته الدواب، فرمت به من أسفل. شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزائه. روى معناه عن ابن زيد وغيره. وقد مضى القول في العصف في سورة الرحمن. ومما يدل على أنه ورق الزرع قول علقمة:
تسقي مذانب قد مالت عصيفتها *** حدورها من أتى الماء مطموم
وقال رؤبة بن العجاج:
ومسهم ما مس أصحاب الفيل *** ترميهم حجارة من سجيل
ولعبت طير بهم أبابيل *** فصيروا مثل كعصف مأكول
العصف: جمع، واحدته عصفة وعصافة، وعصيفة. وأدخل الكاف في كَعَصْفٍ للتشبيه مع مثل، نحو قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]. ومعنى مَأْكُولٍ مأكول حبه. كما يقال: فلان حسن، أي حسن وجهه.
وقال ابن عباس: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ أن المراد به قشر البر، يعني الغلاف الذي تكون فيه حبة القمح. ويروى أن الحجر كان يقع على أحدهم فيخرج كل ما في جوفه، فيبقى كقشر الحنطة إذا خرجت منه الحبة.
وقال ابن مسعود: لما رمت الطير بالحجارة، بعث الله ريحا فضربت الحجارة فزادتها شدة، فكانت لا تقع على أحد إلا هلك، ولم يسلم منهم إلا رجل من كندة، فقال:
فإنك لو رأيت ولم تريه *** لدى جنب المغمس ما لقينا
خشيت الله إذ قد بث طيرا *** وظل سحابة مرت علينا
وباتت كلها تدعو بحق *** كأن لها على الحبشان دينا
ويروى أنها لم تصبهم كلهم، لكنها أصابت من شاء الله منهم. وقد تقدم أن أميرهم رجع وشر ذمة لطيفة معه، فلما أخبروا بما رأوا هلكوا. فالله أعلم.
وقال ابن إسحاق: لما رد الله الحبشة عن مكة، عظمت العرب قريشا وقالوا: أهل الله، قاتل عنهم، وكفاهم مئونة عدوهم، فكان ذلك نعمة من الله عليهم.

1 | 2